Last Updated on 2 مايو، 2024 by هشام الغانمي
شهدت عملة بيتكوين المشفرة والأكثر تداولاً في العالم لنخفاضاً وتقلبًا طيلة شهر أبريل/نيسان، حيث بدأت بالانخفاض منذ مطلع شهر أبريل لغاية يوم الأربعاء 1 مايو. وسجلت العملة الرقمية أسوأ أداء شهري لها منذ أواخر عام 2022، في الوقت الذي ترقب فيه المستثمرون قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي بشأن سعر الفائدة وصدور بيانات رئيسية عن سوق العمل الأمريكية.
وشهدت البيتكوين تصحيح بنسبة 15% في أبريل الماضي، إذ بدأ المستثمرون بجني الأرباح بعد ارتفاع قيمتها إلى مستويات قياسية غير مسبوقة تجاوزت 73,000 دولار. ولغاية 01 مايو تراجعت البيتكوين إلى مستويات 56,000 دولارًا، وهو أدنى مستوى لها بعد القمة التاريخية التي حققتها.
وفي خضم هذه الاضطرابات التي تشهدها الأسواق بشكل عام، يرجح العديد من المحللين في سوق العملات المشفرة إلى استمرار تراجع سعر البيتكوين في الايام القادمة. حيث يميل المستثمرون إلى سحب الأرباح والخروج من سوق العملات المشفرة في ظل عوامل لها صلةب الوضع الاقتصادي العالمي سنتطرق لا في هذا المقال.
ترقب سعر الفائدة للمركزي الأميركي
في حين لا يُتوقع أن يجري المركزي الأمريكي لاحقًا أي تغيير على سعر الفائدة، أصبح المستثمرون أكثر ميلاً لاعتقاد أن البنك المركزي قد لا يخفض أسعار الفائدة على الإطلاق هذا العام، ما وجه ضربة للعملات المشفرة الحساسة لأسعار الفائدة.
لذلك، تظل تراجعات العملات المشفرة متوقعة، وخاصة بيتكوين التي تكبدت تراجعات على مستوى الأسعار في أبريل. هذه التراجعات طبيعية جدًا، لأن عملة بيتكوين ظلت تصعد بشكل مستمر منذ نحو 5 أشهر بدون أي إعادة اختبار لمستويات الدعم، وهذا أمر غير صحي بالنسبة لها على المدي البعيد، وعادة ما يحدث تراجع بين 30 و40% من المستوى القياسي الذي وصلت إليه.
الاعتقالات والأحكام القضائية
يواجه عالم العملات المشفرة تحديات كبيرة على صعيد الامتثال والتنظيم، حيث شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من القضايا القانونية وحالات الإدانة لكبار اللاعبين في هذا المجال.
قطاع العملات المشفرة كان غير منظم وبدون تشريعات أو قوانين حاكمة، وكان من الطبيعي وجود مشكلات تتعلق بعمليات غسل أموال أو نصب واحتيال. بعض المحاكمات لمؤسسي منصات تداول العملات المشفرة أدت إلى وجود تشريعات منظمة للسوق، ما يشجع المستثمرين الكبار على دخول السوق بجانب المتداولين الأوائل فيها.
معظم دول العالم المؤثرة اقتصاديًا باتت لديها تشريعات للعملات المشفرة إما تم تطبيقها أو قيد الإعداد للتطبيق خلال العامين المقبلين، وهذا أمر جيد للسوق على المدي البعيد لكنه يربك السوق حاليا.
وحُكم على تشانغبنغ زاو، مؤسس شركة بينانس العملاقة للعملات الرقمية، بالسجن أربعة أشهر بعد إدانته بقضايا متعلقة بغسيل الأموال. كما دُفعت غرامة بقيمة 4.3 مليار دولار على الشركة العام الماضي.
في وقت سابق وجهت السلطات الأمريكية اتهامات إلى بورصة KuCoin ومؤسسيها بتدبير مؤامرة إجرامية بمليارات الدولارات، تتضمن العمل بدون ترخيص وانتهاك قوانين مكافحة غسيل الأموال.
كما تم اعتقال مؤسسي شركة “ساموراي واليت” للعملات المشفرة، كيون رودريغز وويليام هيل، بتهم غسيل الأموال، ويواجهان عقوبات سجن تصل إلى 20 عامًا.
تسلط هذه الأحداث الضوء على الحاجة الملحة لمزيد من التنظيم والرقابة في مجال العملات الرقمية، بهدف حماية المستثمرين وضمان الامتثال للقوانين واللوائح المعمول بها. غير أن هذه الأحداث نظل سلبية على سوق العملات المشفرة لحظة إعلانها، ويلزم المزيد من الوقت ليتم هضمها من قبل السوق.
الخوف والهلع في السوق الهابطة
في أوقات تراجع الأسواق، يلجأ المستثمرون إلى التخلص من مراكزهم في سوق العملات الرقمية، وذلك للحفاظ على الأرباح المحققة، ولتجنب المزيد من الخسائر في حال استمرار الاتجاه الهبوطي.
يؤدي هذا التصرف إلى عمليات بيع كبيرة تدفع بالأسعار للهبوط بشكل أسرع وأكبر حتى تصل إلى القاع، قبل أن يبدأ المستثمرون الجدد في الشراء استغلالاً للفرص المتاحة في انتظار الصعود المقبل.
ومع ذلك، يأتي التراجع الحالي في سياق مناخ سلبي عام في الأسواق، نتيجة عدم التفاؤل الذي ساد في نهاية عام 2023 ومطلع العام الحالي بشأن إمكانية بدء البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى خفض أسعار الفائدة قريباً.
فمع عودة مخاوف التضخم وضعف الأداء الاقتصادي بشكل عام، تأتي الإشارات من البنوك المركزية، ولا سيما الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، بأن الوقت ما زال مبكراً للبدء في منحى التيسير النقدي.
يشكل هذا الوضع عاملاً ضاغطاً سلبياً آخر على استراتيجيات المستثمرين في الأسواق، نظراً لارتفاع تكلفة الاقتراض لفترة أطول مما كان متوقعاً سابقاً. وبالتالي، يزداد الضغط على المستثمرين لتسييل مراكزهم في محاولة للحد من الخسائر والحفاظ على رؤوس أموالهم في ظل هذه البيئة الاقتصادية المتقلبة وغير المواتية.
حدث تنصيف البيتكوين “BTC Halving”
في ظل التقلبات والاضطرابات التي يشهدها سوق العملات المشفرة، يبرز عامل آخر مهم يتعلق بعملية “تنصيف” عملة البيتكوين، والتي جرت في 20 أبريل الماضي. تعتبر عملية التنصيف خفضًا لعائد تعدين البيتكوين بنسبة 50% كل أربع سنوات، وذلك لضمان سقف محدد لعدد العملات المتداولة ومنع التضخم.
عملة بيتكوين شهدت هذه السنة الدورة الرابعة من عمليات التنصيف، وفي المرات السابقة كان يتبعها انخفاض في مستوى السعر يتراوح بين 30 و40% من أعلى مستوى وصلت إليه.
تاريخيًا، تلي عمليات التنصيف فترات من عدم اليقين وعدم الاستقرار في أسواق العملات الرقمية. ففي المرة الأخيرة، انخفض عائد التعدين من 6.25 بيتكوين إلى 3.125 بيتكوين لكل كتلة. على الرغم من أن الافتراض المنطقي هو ارتفاع قيمة العملة بعد التنصيف بسبب انخفاض العرض، إلا أن مضاربات المستثمرين تأخذ في الاعتبار حالة عدم اليقين المصاحبة لهذه العملية.
ويخشى المعدنون من احتمال أن تكون تكلفة التعدين أعلى من العائد المادي لجهودهم بعد التنصيف. في المقابل، يترقب المستثمرون متى ستعود الأسعار للارتفاع بعد الانهيار الحالي. وتشير تقديرات شركة “ريك كابيتال” إلى أن استعادة منحنى قيمة البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى لاتجاهها الصاعد قد يستغرق حوالي عام ونصف العام تقريبًا، وهو ما يثير قلق المتعاملين الذين يسعون للربح السريع.
التوترات الجيوسياسية والحروب
تؤثر التوترات الجيوسياسية والصراعات حول العالم بشكل كبير على الأسواق المالية بما في ذلك أسواق العملات المشفرة. فمع دخول هذه العملات في نطاق التداول الرسمي والخضوع لقواعد محددة، أصبحت عرضة للعوامل المؤثرة على وضع السوق بشكل عام، سواء الاقتصادية أو المالية أو السياسية.
من بين العوامل الضاغطة سلبًا على الأسواق حاليًا، التوترات الجيوسياسية في مناطق مختلفة من العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط بسبب الحرب على غزة. فإذا كانت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا قد أثرت سلبًا على التجارة الدولية وأسواق الطاقة وكبحت فرص النمو الاقتصادي العالمي، فإن الحرب المستمرة في غزة منذ الخريف الماضي ضاعفت من هذا التأثير السلبي، لا سيما مع تعطل الملاحة في ممر التجارة عبر البحر الأحمر بسبب تهديدات الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
مع استمرار الحرب، وتبادل القصف بين إسرائيل وإيران مؤخرًا، تظل هناك مخاوف في الأسواق من احتمال توسع نطاق الصراع العسكري في المنطقة بما يهدد إمدادات الطاقة. كما تراقب الأسواق عن كثب التوترات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران.
تشكل هذه التطورات الجيوسياسية المتقلبة تحديًا كبيرًا للاستقرار والنمو الاقتصادي العالمي، وتزيد من حالة عدم اليقين التي تؤثر سلبًا على الأسواق المالية بما فيها أسواق العملات الرقمية الناشئة.